الدجاجات.. وحبات القمح

خلدون غسان سعيد

مع حلول مرحلة الإجازة الصيفية للأطفال، فإنه من المستحب أن يتابع الأطفال تعليمهم بطرق سهلة أينما كانوا، وذلك كيلا ينسوا الأساسيات. وتعد الإنترنت أكبر مكتبة في العالم، ولكنها مكتبة تفاعلية غير محدودة تسمح للأطفال بالحصول على المعلومات التي لا يجدونها في المدرسة أو المكتبات الموجودة بقربهم. كما تستخدم، أيضًا، للتواصل مع الأشخاص الذين يشاركونهم اهتماماتهم.بدأ الفجرُ يشرقُ، فعلت أصواتُ الديكةِ توقظُ الدجاجاتِ من نومِها وخرجت الدجاجةُ الأمُّ من الخمِّ (القِن) تتبعها الفراخُ. وحين تجمَّع الجميعُ قالت الأمُّ: أرجو أن تستمعوا إليَّ، فإني سأحدثكم أمرًا مهمًا. سكتت الفراخُ، ووقفت تنتظرُ ما ستقولُه الدجاجةُ الأمُّ.
فقالت الدجاجةُ الأمُّ: تعلمون يا أبنائي أنه قد حان أو قرب فصلُ الصيفِ، وبدأتُ سنابلُ القمحِ تجفُّ، ويحمل الفلاحون سنابلَ القمحِ إلى الساحةِ الواسعةِ المسماةِ بالبيدرِ، ويأتون بلوحٍ من الخشبِ قد ثبتت فيه حجارةٌ صغيرةٌ بقدرِ حبةِ الجوزِ، ويسمون هذا اللوحَ «النورجَ». وعادة يربطون النورجَ بحصانٍ أو بقرةٍ ويجلسون عليه ليكونوا ثقلاً عليه، ويسوقون الحصانَ أو البقرةَ لسحبِ النورجِ، وتتفتت تحته سنابلُ القمحِ مخلفةً حباتِ القمحِ تحتها. قال الديكُ: وما علاقتُنا بما تذكرين؟ قالت الدجاجةُ الأمُّ: إنكم تعرفون أن الفلاحين حين ينقلون سنابلَ القمحِ من الحقلِ إلى البيدرِ يتناثر كثيرٌ من حباتِ القمحِ على الأرضِ، وكذلك حين الحصاد، وحين دراسة السنابلِ. والعادة أن الفلاحين لا يلتقطون الحبَّ فيبقى في الأرضِ، وتدوسه الأرجلُ، ويبقى على الترابِ الذي يغمره، فتضيع الحباتُ سدىً وبلا فائدةٍ. وحين يأتي الشتاءُ يقلُّ ما يطعمُنا إياه صاحبُنا، وهو معذور في ذلك. وأرى أن نبادرَ إلى جمعِ ما تناثر من حباتِ القمحِ، وما غمره الترابُ وأن نحتفظَ به إلى أشهرِ الشتاءِ. فإذا قصَّر علينا بالطعامِ وجدنا عندنا ما يكفينا. صاحت الدجاجاتُ كلُّها والديكةُ مستحسنين قولَ الدجاجةِ الأمِّ وموافقين عليه.
في صباحِ اليومِ التالي خرجت الدجاجاتُ من الخمِّ (القِن) وبدأت تنبش الترابَ بمناقيرها وأرجلها وتستخرج الحبوبَ من الأرضِ، ثم تحملها إلى داخلِ الخمِّ (القِن). وما بين يومٍ وآخرَ بدأت كميةُ القمحِ في الخمِّ تزدادُ وترتفعُ حتى شعرَ الفراخُ أن ما في باطنِ الأرضِ يكادُ ينفدُ. ولقد ساعدَ الفراخَ في عملِهم أن القِنَّ كان منخفضَ السقفِ، وكان صعبًا على صاحبِ الدجاجاتِ أن يبصرَ كميةَ القمحِ التي تجمعت في القِنِّ.
مضى فصلُ الصيفِ وجاءَ فصلُ الخريفِ، وبادرت الفراخُ بأمرٍ من الدجاجةِ الأمِّ إلى نثرِ حباتِ القمحِ حول القِنِّ. ودارت الأيامُ وهطلت الأمطارُ، وما أن أطلَّ فصلُ الربيعِ حتى بدأت حباتُ القمحِ ترسلُ أوراقَها الخضراءَ من باطنِ الأرضِ التي أخذت تحملُ في رؤوسِها سنابلَ القمحِ الخضراءِ. وبدأت الفراخُ تنقل السنابلَ، فتأكلُ الخضراءَ منها، وما بدأ يقسو شيئًا فشيئًا. سُرَّ صاحبُ الفراخِ بما رأى من حباتِ القمحِ، فترك الحباتِ للدجاجِ، وأكلت الفراخُ قسمًا كبيرًا من الأوراقِ الخضراءِ، ومن حباتِ القمحِ الخضراءِ. لاحظَ صاحبُها أنها بدأت تسمن وتكبر، وصار دجاجًا يعجب الناظرين إليه.
أعطى صاحبُ الدجاجِ دجاجاتِه مزيدًا من الأهميةِ، وانتشرت بين مربي الدجاجِ أوصافُ دجاجاتِه، فرغب كثيرٌ منهم في الحصولَ على بيتِ هذه السلالةِ الجيدةِ، الأمرُ الذي دفع صاحبَ الدجاجِ إلى تقديمِ عنايةٍ كبيرةٍ أكثرَ إلى هذه الدجاجاتِ، وأن يحافظَ على بيضِها، لأن هذا البيضَ إذا فقس بعد حضنه فستخرج منه صيصانٌ، وتصبح دجاجًا جيدًا.
كثرَ الطلبُ على الدجاجِ، وكثرت الدجاجاتُ، وكثر مالُ صاحبِها، لكنه عمد إلى شرطٍ شرطَه على من يشتري من دجاجاتِه ألا يذبحَها، وأن عليه أن يربيَها حتى تكثرَ هذه السلالةُ جيدًا.. وهكذا، فإن الدجاجاتِ بتنفيذها نصيحةَ الأمِّ حافظت على بقائِها، وجلبت لصاحبِها ومربيها الثروةَ والشهرةَ.
علينا أن نفكر في سبل الفائدة، فلا تكون الدجاجاتُ خيرًا منا، بل علينا أن نخططَ في عملنا، وأن نتبعَ الطرقَ العلميةَ التي تؤدي إلى خيرِ المجتمعِ وخيرِ مربي الدجاجِِ.